المادة    
نحن نجد أن هذين خطين متعارضان، نجد أنه لا بد أن نرى ما الذي يقوله العلم المحايد في هذا الشأن، وما الذي يقوله الوحي المعصوم مع تجريد كل منهما من الخرافة، بمعنى: نجرد النقل من الروايات الضعيفة والموضوعة والتفاسير الباطلة، ونجرد أيضاً العلم والبحث التاريخي من الأكاذيب والافتراءات والتأويلات الظنية؛ فحينئذٍ تظهر لنا الحقيقة ناصعة بإذن الله تبارك وتعالى؛ وهي ما نبحث عنه في كل حلقة من حلقات هذا البرنامج بإذن الله تبارك وتعالى. ‏
  1. العمالقة في التوراة

    لو بدأنا بالمصادر هذه حسب تاريخها، فمن أقدم المصادر التي تتحدث عن هذا الموضوع التوراة والتفاسير أو الشروح لها، في الحقيقة أن هناك نوعين ممكن أن نجعلهما باختصار هما محور ما جاء في التوراة :
    النوع الأول: هو أن البشر وجدُوا أول الأمر على هيئة كبيرة وضخمة, وهذا موجود؛ لكن ليس بنفس الدلالة القطعية والصراحة الموجودة في القرآن والسنة؛ لكن نعم كانوا أعظم, وكانوا أكثر قوة؛ وهناك ما يدل على ذلك، لكن أضيف إليه من الخرافات الشيء الكثير! وربط في النهاية بما يسمى عمليق أو عماليق, وهو من ذرية عيسو بن إسحاق ابن إبراهيم عليه السلام، فحدثت إشكالية كبيرة جداً هنا في المسألة -الإفاضة في شرح الإشكالية قد تطول لكن نحن نأتي بالحل- نقول: إن القوم الجبارين الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى في كتابه، والذين رفض اليهود أن يدخلوا المدينة التي هم فيها، هم الذين حُصر فيهم -عند كثير من علماء التوراة- مفهوم العمالقة أو عمليق؛ أنهم قوم جبارون, وهؤلاء الجبارون لا يمكن مقاومتهم, ثم أخذت الخرافة مداها؛ فأصبح كأن هؤلاء القوم لا يكاد يوجد لهم ذكر إلا فيما يتعلق بمرحلة موسى عليه السلام ثم ما بعده.
    نذكر باختصار مثالين:
    المثال الأول: قولهم عن عوج بن عنق أنه كان معاصراً لموسى عليه السلام -هذا ليس في التوراة لكنه في التلمود- وأنه كان ضخماً, ثم ذكروا أنه كان حياً من أيام نوح عليه السلام، وأنه أيام الطوفان كان يخوض في الطوفان ولا يصل إلا إلى قدمه، وأن الذي قتله موسى عليه السلام, وكان طويلاً عليه السلام, وعصاه طويلة، وقفز حتى وصلت الضربة إلى كعبه أو إلى ساقه.. وكل هذا تهاويل وخرافات؛ لكن ربطت بما يتوهمه بنو إسرائيل عن القوم الجبارين، الذين كانوا أجبر منهم وأقوى منهم، ومن العرب الكنعانيين الذين كانوا يسكنون في أرض فلسطين وبلاد الشام ، ومن غيرهم من بقايا إرم التي سميت آرام أو بقايا قوم عاد وثمود.
    الناحية الأخرى: أن اليهود جعلوا جوليات -يعني: جالوت - ضخماً وجباراً ومن العماليق؛ ليعظموا بذلك شأن داود عليه السلام وأنه قتله؛ ولذلك تجد في مواقع الإنترنت وغيرها التي تتحدث عن العمالقة لقطات من أفلام -هي ليس لها أصل من الحقيقة إنما هي أفلام خيال؛ سينما أمريكية- وضعوا صورة جالوت كإنسان عظيم ضخم الجثة، وداود مثل فتى صغير ضربه بالمقلاع ثم حز رأسه إلى آخر ذلك.
    هذا الوضع هو الذي جعل كثيراً من الناس يقولون: إن هذه كلها خرافات، ولا يوجد أصل صحيح لأجيال من العمالقة الضخام الجثة الذين تتحدث عنهم الكتب المقدسة.
    عندما ظهر النقد التاريخي للتوراة في القرن السابع عشر والثامن عشر كان من السهل على الناس أن ينفوا ذلك، وأن يقولوا بهذا الكلام, وأن ينفوا وجود عمالقة، ولما ظهرت نظرية التطور في منتصف القرن التاسع عشر كان سهلاً أيضاً عليهم أن يؤمنوا بها -أو كثير منهم- ويغضوا النظر عن كل ما يخالفها من كتب التاريخ، أو الحقائق التي يرثها الأبناء عن الآباء عن قبور العمالقة, وعن عظام العمالقة، وعما في ذاكرة البشرية من وجود هؤلاء البشر الضخام، وعن آثار في الأرض أيضاً تدل على ضخامة من كان قبلنا، كان هناك مرحلة تشاد وصراع وتطاحن بين العلم وبين الدين، فهؤلاء كلهم لم يبالوا على الإطلاق بما ذكر في هذه الأمور؛ وإنما ركزوا على الأهم؛ أن كل هذا خرافة فأبطلوه بجميعه، وليس لديهم معيار لمعرفة تفاصيله, وأخذ الحق وترك الباطل، أو لم يبحثوا عن معيار؛ لأنها مرحلة نفور, ومرحلة عداوة واشتداد، مثل مبارزة شد الحبل؛ كل منهم يريد أن يجر الآخر إليه مطلقاً دون أن يلتقي الجمعان أو الطائفتان على نقطة وسط.
    هذا ما يقرره إذاً التوراة وشروحها وما ألحق بها من خرافات وضعها التلموديون وغيرهم.
  2. الحقائق المتوارثة عند الشعوب عن وجود العمالقة

    في المقابل نجد أن هناك حقائق متوارثة عند كثير من الشعوب، التي لم تعترك معترك الدين والخرافة بهذا الشكل الذي وقع في أوروبا ، أو التي تأخذ بعض القضايا بعيداً عن الفلسفة السابقة واللاحقة لها.
    تقريباً كما تذكر الدراسات الأنتربولوجية: كل العلماء أو كل الباحثين وجدوا أن كل الشعوب في الأرض تؤمن بأن آباءنا وأجدادنا كانوا أقوى منا وأكبر منا، ويتحدثون عن آثار موجودة, وعن صخرة ضخمة كل منهم يقول: جد قديم -قد يسميه العوام هنا في جزيرة العرب أبو زيد الهلالي- هذه صخرته أو حذفته, أو هذه يده أو هذا بيته إذا كان كهفاً هائلاً ضخماً، وهكذا فكل أمة لها شيء من هذا يدرجه بعضهم تحت اسم: الفلكلورات الشعبية, بمعنى: أنه قد لا ينفيها بالمرة ولا يثبتها بالمرة؛ لكن هي تندرج ضمن ما تؤمن به الشعوب، ويقولون: إن الأساطير لا يعني: أنه ليس لها أصل, وليست أيضاً لها الصفة العلمية المطلقة، فلتُحلَّل.. هم يجمعونها لتُحلل أو يدرسها غيرهم, أو ليؤمن بها من شاء أو ليفكر بها من شاء, لا يهمهم هذا.
    على أية حال هناك أيضاً حقائق ملموسة مشاهدة بغض النظر عما يضيفه العوام أو غيرهم، هناك فعلاً أشياء ثابتة، وأثار عظيمة في الأرض موجودة وحية، وهناك قبور في أماكن كثيرة من العالم ضخمة وكبيرة تختلف عن غيرها، وهناك آثار عظام أو بالأحرى هياكل بشرية بعضها شبه سليم وبعضها عظامه واضحة أنها هيكل بشري، بضخامة يتعجب الباحث أو المطلع عليها، وهذه ثابتة!
    مثلاً: لو نظرنا إلى آخر ما توصل إليه الغرب بعد أن هدأت المعارك نسبياً في هذا القرن، والبحث الذي يدأب إليه الباحثون للبحث عن هذه المقابر -بغض النظر هل هم مؤمنون بنظرية التطور أو غير مؤمنين- نجد أن ذلك أنتج أشياء عجيبة! مثلاً: هناك ما يسمى القبور العملاقة, طول بعضها يبلغ خمسين متراً مثلاً، بعضهم وجدوا بعض الجثث التي وجدت من العمالقة تزيد على مائة قدم كما قال شامبليون , يعني: ثلاثة وثلاثين متر تقريباً أو أكثر، بعض الناس يتخيل عشرين قدماً, بعضهم ذكر ستة عشر قدماً، إلى أنه قد لا نصدق؛ لكن بعضهم ادعى أنه قابل قبيلة من العمالقة في محيط نهر الكنغو, وطولهم ثمانية عشر متراً.
    لكن يوجد أشياء ثابتة بالفعل ومصورة ومؤكدة, وهي: أنه بالفعل هناك قبور عملاقة كبيرة؛ حتى لو كان بعضها تسعة أمتار -كما يقولون: إنها قبور الأنبياء أو ما أشبه ذلك- فهي أيضاً قبور كبيرة, والعظام التي فيها تدل على ضخامة في الخلقة، وهناك أيضاً آثار عظيمة لا يمكن أن تنسب بنايتُها إلا لأناس من النوع الذي فعلاً يتمتع بقدرة بشرية خارقة؛ لأننا نكاد نجزم أنه لم يكن لديهم وسائل للرفع والنقل والحمل، أو الوسائل الهندسية والتقنية التي تجعلهم يبنون هذه المآثر العظيمة إلا بهذا الافتراض؛ قوة بشرية ضخمة.
    عندما ننظر إلى ما هو ثابت -على سبيل المثال- في الولايات المتحدة الأمريكية ؛ الهواة من جهة, والمحترفون من جهة؛ أصبحت مهنة البحث عن العمالقة وعن قبورهم أمراً رائجاً علمياً وهو هواية عند الهواة، لا تكاد توجد ولاية من الولايات المهمة في أمريكا إلا واكتشف فيها بالفعل, ووضع في متحفها بالفعل العظام أو الدفائن التي وجدت, والتي تدل على ضخامة هذا النوع البشري الذي وجد فيها؛ فهناك مثلاً: عمالقة بنسلفانيا .. عمالقة كولورادو .. عمالقة ألاسكا ، كل منطقة لها عمالقتها الذين وجدوا بالفعل، مع أنه تقريباً عندهم شبه مؤكد أن الإنسان لم يعبر إلى أمريكا إلا بعد انحسار العصر الجليدي، يعني: قرابة عشرة آلاف إلى اثني عشر ألف سنة بالكثير.
    ففي هذا الزمن التاريخي يمكن أن تكون أحجام هؤلاء البشر بهذا الشكل، وربما يكون هناك ما هو أقدم من ذلك؛ لكن في أوروبا مثلاً طبعاً أقدم بكثير، القبور الأكثر طولاً وعرضاً أو العظام الأكثر لا تزال في أوروبا ، وأكثر من ذلك ما وجد في وسط آسيا ، وبالمناسبة: العالم كله وأكثر الناس يتوقعون أن جزيرة العرب هي الأكثر احتمالاً؛ لأنها مهد الإنسان الأول عند أكثر العلماء, ولأنها -وهذا ثابت- موطن قوم عاد.
    ومن هنا البعثات الأثرية الحقيقة أنها قليلة -والحمد الله على ذلك؛ لأنها يمكن أن تشوه أي شيء, فليست جزيرة العرب مسرحاً لأي بعثة من البعثات وخاصة في الفترة السابقة- لكن عموماً هناك احتمال كبير بوجود هذا، مما روَّج الأكاذيب والأساطير؛ ومنها: ما ظهر قبل فترة من الفترات على مواقع في الإنترنت أن شركة أرامكو عثرت على جثة عملاق، وبعد ذلك تبين أن هذا أكذوبة، وكان مكتب العلاقات في شركة أرامكو على اتصال دائم لمراسلة كل الناس في الإنترنت وغيره؛ لتبين أنه لا حقيقة لهذا الأمر.